أعلن القادة العرب في قمتهم الأخيرة عرضهم لتسوية تاريخية مع إسرائيل مقابل الانسحاب الإسرائيلي لحدود عام 1967، ورغم ٲن إعلان العرب هذا ليس بالجديد لكنه يحمل في طياته الكثير من الدلالات في هذا التوقيت وفي هذا المكان قرب الحدود مع إسرائيل، ولا أريد الخوض في تلك الدلالات لعل القادم من الأيام سيكشفها للناس، إلا ٲن هذا العرض العربي وبدون مزايدة على موقف القمة العربية هو عرض الطرف المهزوم لا عرض المنتصر أو عرض الطرف المكافئ.

فبغداد اليوم تعاني من أجل الحفاظ على وحدة العرب في العراق وجيشها منهك في قتال عصابات الإرهاب العالمي، وآخر ما يفكر فيه العراق أن يرسل وحدة طبابة حتى إلى خارج حدوده لقتال عدو للعرب.

و أما سوريا فقد مزقها الإرهاب وأصبح جيشها لا يستطيع الوقوف أمام القوات المعارضة للنظام لولا الميليشيات الشيعية والمساندة الروسية – الإيرانية له.

ومصر تعاني اليوم من أعباء اقتصادية وسياسية وعسكرية معروفة لدى الجميع وهي لا تستطيع الدخول في مواجهة أو سباق تسلح مع إسرائيل.

وتلك الدول هي صاحبة أقوى الجيوش العربية في تاريخ العرب الحديث التي تصدت للعدوان الإسرائيلي في القرن الماضي، أما السعودية ودول الخليج فقد استنزفت أموالها وأسلحتها المتطورة في حرب اليمن التي كانت ورطة اقتصادية وعسكرية لها، وليبيا العمق الاستراتيجي لمصر تعاني من التمزق والحرب الداخلية بعد مقتل العقيد القذافي، وأما دول المغرب العربي إضافة إلى عدم وجود حدود مشتركة مع إسرائيل فإن جيوشها اليوم ليست بأحسن حال من جيوش المشرق العربي فتونس على وشك الإفلاس والجزائر والمغرب تعانيان من وطأة الأوضاع الاقتصادية المتردية.

بالإضافة إلى ٲن جيوش المغرب العربي لا تملك الخبرة القتالية الكافية ولا الأسلحة التي تواجه بها ٳسرائيل، ولا أريد في هذا المقال أن أدخل في التحليل العسكري ومقارنة الجيوش إلا أن الواضح للعيان بأن إسرائيل هي الدولة الأقوى في المنطقة عسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا.

هذه المعادلة التي يعيها أصحاب القرار السياسي العربي الذين اضطروا إلى قبول تجرع سم التسوية لا لكرههم لإسرائيل فقط بل للثمن الذي سيدفعونه داخليا أمام الرأي العام العربي الديني المتربي على ضرورة إزالة الكيان الصهيوني من الوجود وغير القابل لأي شكل من أشكال التسوية.

وكذلك موقف المعارضة المحلية للحكام العرب التي سترفع من أصواتها المتباكية على التخاذل العربي وخنوعهم إلى الأمر الواقع وتخليهم عن الأرض المقدسة في فلسطين لتكسب رصيدًا شعبيًا محليًا، ولكن على العموم الرأي العام العربي فيما عدا ذوي الميول الدينية لا يهمه اليوم التطبيع مع إسرائيل بقدر ما تهمه القضية الاقتصادية المحلية في بلده وإزالة شبح عدم الاستقرار الأمني الذي خلفه ما يسمى (الربيع العربي) كٲي شعب يريد الٲمن والاستقرار، فالمواطن العربي بدأ ينظر إلى وجود إسرائيل نظرة عقلانية لا نظرة دينية تراكمية.

ولكن هذا العرض العربي الأخير في التسوية هل سيقابل بالترحيب في إسرائيل؟ وما هو مصير عرب 1948 بعد هذه التسوية؟

هذان السؤالان هما الأهم الآن وعلى الأغلب فإسرائيل لن تأبه لهذا العرض لأسباب كثيرة منها ما ذكرناها سابقًا ومنها ما يتعلق بعدم تفاعلها مع قرارات القمة العربية.

إذ ترفض إسرائيل التفاوض مع العرب بصورة جماعية وهي لا ترغب بوجود منظمة عربية توحد موقف العرب ولو شكلًا وهذا أمر ثابت في السياسة الإسرائيلية الخارجية.

فلم يكن العرب يملكون سلاحًا تجاه إسرائيل إلا سلاح المقاطعة الاقتصادية الذي كان يكلف إسرائيل الكثير وهو السلاح الذي تخلى عنه العرب بسبب سياسة إسرائيل التي تتعامل مع العرب كدول منفردة، فاستطاعت تحييد مصر والٲردن ودول الخليج من هذه الحرب الاقتصادية، واستطاعت أن تتغلغل وتكسر سلاح المقاطعة الاقتصادية، لذلك هي الآن لا يهمها الموقف العربي الموحد في هذه القمة أو تلك.

كذلك إن إسرائيل لا تثق بالعرب أبدًا كما إن العرب لا يثقون بها فهم يعلمون خطط المشايخ وتصويرهم لسيرة النبي عليه الصلاة والسلام وكأنه مناور سياسي فهادن قريش في مكة ومن ثم انقض عليها عندما أصبح قويا وهو هادن قريش والعرب أيام الحديبية لكونه كان ضعيفًا وعندما ٲصبح يمتلك القوة استغل خرقًا عرضيًا لتلك الهدنة ليدخل مكة فاتحا بعد ذلك، وهذا الأمر أعلنه عرفات عندما وقع اتفاقية أوسلو.

هذه النظرة البراغماتية التي زرعها المشايخ في عقول العرب يعرفها الإسرائيليون جيدا لذلك هم يعرفون بأن موقف العرب من إسرائيل لا يختلف كليًا عن نظرة المشايخ للقرآن في العهد المكي أو لصلح الحديبية.

فموقف العرب من السلام معها ليس بالموقف الٳستراتيجي أبدًا ومن الغباء أن نتصور بٲن إسرائيل لا تعلم هذا الأمر وبالتالي فهي حذرة من أية مبادرة عربية للسلام.

ولا أريد تصوير إسرائيل هنا بأنها الضحية لمواقف العرب وبراغماتيتهم لأن إسرائيل أيضًا هي دولة دينية تحكمها عقلية مشابهة لعقلية مشايخنا وهي تخطط لما بعد حدود 1967 وشعارها المعروف لكل الناس، إضافة إلى أنها تعلم جيدا ألا أمان لها إلا من خلال إضعاف العرب وتطويعهم وبالتالي فلا أمل في أية مبادرة للسلام إلا من خلال إيجاد عدو مشترك لكلا الطرفين يوحدانهما ضده.

وعلى ما يبدو فإن إيران ستكون هذا العدو الذي سيسمح لإسرائيل أن تكون حليفًا للعرب في مواجهتهم للنفوذ والتدخل الإيراني في المنطقة وبهذا ستضمن إسرائيل ٲن العرب لن يمارسوا براغماتيتهم ضدها ما دام البعبع الإيراني موجودًا.
ولكن الطرف المنسي في هذا العرض هو عرب 1948، ما هو الموقف منهم الآن ومن اللاجئين الفلسطينيين في الشتات بسبب حرب 1948 وسياسة التهجير الإسرائيلية؟
هل سيكون العرب صرحاء في الطلب من عرب 1948 بالخضوع إلى الحكم الإسرائيلي واعتباره وليًا للأمر تجب طاعته فهو متغلب وقد منحهم حق إقامة طقوسهم الدينية بكل حرية وهو شرط الطاعة في الحديث النبوي المشهور.

ولذلك أتمنى من الأزهر الشريف وهيئة الإفتاء في السعودية باعتبارهما مرجعية المسلمين السنة (السواد الأعظم) أن تفتي بهذا الشأن وتعلنها صراحة هل يجب على عرب فلسطين طاعة الدولة الإسرائيلية من عدمها؟

وإن رفضوا هؤلاء المشايخ ودور الإفتاء تلك التسوية السياسية ما هو موقفهم من حكامهم المحليين الذين عقدوا تلك التسوية أو عرضوها على الجانب الإسرائيلي؟