دائماً ما كانت جماعة الأحمدية مادة دسمة على طاولة الجدل  الديني والتوظيف السياسي على حدٍ سواء في باكستان. بيد أن ذلك، لم يثير شهوة الباحثين والمتابعين لشؤون الأقليات للكتابة عن هذا  الموضوع من جهة إرتباطه بتاريخ الصراع الديني والطائفي في باكستان.

 فالأحمدية والتي يبلغ عددهم 6 مليون نسمة تقريباً من مُجمل سُكان باكستان، كانت قد برزت كجماعة دينية مستقلة ولدت من رحم مجتمع مسلمي شبه القارة الهندية، عندما أدعى الميرزا غلام أحمد –زعيم الجماعة ومؤسسها – عام1989 م، النبوة، و قال عن نفسه “إنه المسيح الموعود والمهدي المنتظر”، وقد خلفه خمسة من (خلفاء الأحمدية) للآن، خامسهم الميرزا مسرور أحمد، والمقيم حالياً في عاصمة الممملكة البريطانية المتحدة لندن.

ومنذ البداية، تعرض الأحمديون لأشكال مختلفة من الاضطهاد. بإستثناء الفترة الممتدة بين عامي 1937و 1947، كان الجدل حول الأحمدية غائبا نسبيا. لكن بمجرد هجرتهم إلى باكستان  وتمركزهم في ضواحي تشنيوت (البنجاب)- بعد أن كان مركزهم في مدينة “قاديان” في الهند – سرعان ما بدأ الجدل حول تعاليمهم وممارساتهم الطقوسية والذي تدحرج إلى أعمال شغب وصراع طائفي في البنجاب، راح ضحيته المئات، بعد أن أثارت الجماعة الإسلامية في شباط / فبراير 1953 الشغب من اجل الضغط على الحكومة لتنحية ظفر الله خان، الذي ينتمي للطائفة الأحمدية، من منصبه كوزير للخارجية، علماً أن  ظفرالله خان (الأحمدي) أحد الآباء المؤسّسين لدولة باكستان مع القائد محمد علي جناح، وكان أول وزير خارجية في تاريخ باكستان وممثلها في مجلس الأمن.

كما طالبت الجماعة الإسلامية بإبعاد جميع الأحمديين من المناصب العليا، و إعلان الأحمديين كجماعة غير مسلمة. ما أدى إلى إعلان حالة الطوارىء في البنجاب، و حظر عدد من الجماعات السياسية الدينية.

لكن ذلك لم يغير من الواقع في شيء، وبقي الجدال قائماً في باكستان حول مسألة الأحمديين حتى عام 1974، عندما أصدر البرلمان الباكستاني  خلال حكومة ذو الفقار علي بوتو مرسوماً يقضي بأن الأحمدية جماعة غير  إسلامية. فأصبحت باكستان بذلك الدولة الأولى والوحيدة التي تعلن الأحمدية رسمياً أقلية من غير المسلمين.

 وفي عام 1984، أصدر الجنرال ضياء الحق قرارا يحظر على الأحمدية  أن يدعوا بأنهم مسلمون، كما يحظر عليهم ممارسة الوعظ في العلن، أو إنتاج ونشر المواد الدينية، ويعاقب على هذه الأفعال بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات.

نتيجةً لهذه القوانين والتعديلات الدستورية المتعلقة بالأحمديين في باكستان، أصبح الأحمديون هدفا مشروعاً للعديد من الهجمات التي تقودها جماعات دينية أرثوذكسية مختلفة، ففي العام 2010 تعرض مسجد للأحمدية في لاهور لهجمات راح ضحيتها نحو 95 شخص، وفي العام 2014 قامت حشود غاضبة بإحراق ثلاثة احمديين أحياء، ثم أحرقوا منازلهم في مدينة غوجراولا  في  البنجاب.

لا يغالي “دنيس يونغ” من المجموعة البرلمانية الاوروبية لحرية العبادة عندما يقول: ” إن الاحمديين في باكستان ضحايا الترهيب والاضطهاد بسبب معتقداتهم، وهم يواجهون مضايقات يومية”.

لكن وراء المعتقد هناك سبب آخر يفسر ما يتعرض له الأحمديون في باكستان، فككل الأقليات في العالم، لا تعدو نظرة السياسيين لهم كونهم ورقة لا تملك قرارها يستعملونها كيفما يشاءون.

فتعديل دستور 1973 مثلاً، بعد عام فقط من إقراره، و إعتبار الأحمدية جماعةغير مسلمة سنة1974،  كان  في الحقيقة محاولة من “ذو الفقار علي بوتو” للتخفيف من الإحتقان الداخلي، بعد حرب العام 1971 بين باكستان والهند، التي أدت إلى إنفصال بنغلادش (باكستان الشرقية) عن باكستان، وكسب تأييد شعبي، إلى جانب إسترضاء المعارضة الراديكالية، وبالفعل إستطاع بوتو  تحقيق هدفه من خلال إستدعاء الورقة الأحمدية، وإقرارهم جماعة غير مسلمة.

اليوم وبعد مرور أربعة عقود على تعديل دستور ال73، حريٌ بالحكومة الباكستانية والأحزاب الممثلة في البرلمان الباكستاني ممارسة دورها في حماية  الأحمدية، بموجب الدستور الباكستاني الذي ينص على أن “حماية الأقليات مسؤولية الدولة الباكستانية “، وأولى خطوات حماية الأحمدية هو إعادة النظر في إعتبارهم جماعة غير إسلامية، لا سيما وأنهم يصرون على أنهم جماعة مسلمة تؤمن بالله ورسوله والكتاب المُنزل عليه.